سورة يوسف - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


لم يعرفوا خسرانهم في الحال ولكنهم وقفوا عليه في المآل.
ويقال قد يُبَاعُ مثل يوسف عليه السلام بثمن بخس، ولكن إذا وقعت الحاجةُ إليه فعند ذلك يعلم ما يلحق من الغَبْن.
ويقال: لم يحتشموا من يوسف- عليه السلام- يوم باعوه ثمنٍ بَخْسٍ، ولكن لمَّا قال لهم: أنا يوسف وقع عليهم الخجل، ولهذا قيل: كفى للمقصر الحياء يوم اللقاء.
ويقال لمَّا خَرُّوا له سُجَّداً علموا أنَّ ذلك جزاءُ مَنْ باع أخاه بثمنٍ بخسٍ.
ويقال لمَّا وصل الناسُ إلى رفق يوسف عاشوا في نعمته، واحتاجوا إلى أن يقفوا بين يديه في مقام الذُّلِّ قائلين: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} [يوسف: 88]، وفي معناه أنشدوا:
ستسمع بي وتذكرني *** وتطلبني فلا تجدِ
ويقال ليس العَجَبُ ممن يبيع مثلَ يوسف- عليه السلام- بثمنٍ نَجْسٍ إنما العَجَبُ ممن (....) مثل يوسف- عليه السلام- بثمن بخس، لا سيَّما {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} الخرق لا غاية له، وكذا العجب لا نباته له.
ويقال ليس العجب ممن يبيع يوسف- عليه السلام- بثمنٍ بخسٍ، إنما العجب ممن يبيع وقته الذي أعزُّ من الكبريت الأحمر بعَرَضٍ حقيرٍ من أعراض الدنيا.
ويقال إنَّ السيارة لم يعرفوا قيمته فزهدوا في شرائه بدراهم، والذين وقفوا على جماله وشيءٍ من أحواله غالوا- بمصر- في ثمنه حتى اشتروه بزنته دراهم ودنانير مراتٍ كما في القصة، وفي معناه أنشدوا:
إنْ كنتُ عندكَ يا مولاي مُطَّرَحاً *** فعند غيرِك محمولٌ على الحَدَقِ


قوله جلّ ذكره: {وَقَالَ الَّذِى اشْتَراهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً}.
لمَّا نودي على يوسف في مصر بالبيع لم يَرْضَ الحقُّ- سبحانه- حتى أصابتهم الضرورةُ ومَسَّتْهُمْ الفاقة حتى باعوا من يوسف- عليه السلام- جميعَ أملاكهم، ثم باعوا كلُّهم منه أنْفُسَهم- كما في القصة- وفي آخر أمرهم طلبوا الطعام، فصاروا بأجمعهم عبيدَه، ثم إنه عليه السلام لما مَلَكَهم مَنَّ عليهم فأعتقهم؛ فَلَئنْ مَرَّ عليه بمصرَ يومٌ نودي فيه عليه بالبيع؛ فقد أصبح بمصر يوماً آخر وقد ملَكَ جميعَ أملاكهم، ومَلَكَ رقابَ جميعهم؛ فيومٌ بيومٍ، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً} [الشرح: 5] يومان شَتَّان بينهما!
ثم إنه أعتقهم جميعاً *** وكذا الكريمُ إذا قدر غفر.
قوله جل ذكره: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}.
أراد مَنْ حَسَدَه أَلا تكونَ له فضيلةٌ على إخوته وذويه، وأراد اللهُ أن يكونَ له مُلْكُ الأرضِ، وكان ما أراد اللهُ لا ما أراد أعداؤه.
قوله جلّ ذكره: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}.
أرادوا أن يكونَ يوسفُ عليه السلام في الجُبِّ، وأراد اللَّهُ- سبحانه- أن يكون يوسف على سرير المُلْكِ؛ فكان ما أراد الله، والله غالبٌ على أمره. وأرادوا أن يكون يوسفُ عبداً لمن ابتاعوه من السيارة، وأراد اللهُ أن يكونَ عزيزَ مصر- وكان ما أراد اللَّهُ.
ويقال العِبْرَةُ لا ترى من الحقِّ في الحال، وإنما الاعتبارُ بما يظهر في سِرِّ تقديره في المآل.


من جملة الحُكمْ الذي آتاه اللَّهُ نفوذُ حُكْمِه على نَفْسِه حتى غَلَبَ شهوته، وامتنع عما رَاوَدَتْه تلك المرأةُ عن نَفْسِه؛ ومن لا حكم له على نفسه فلا حكْمَ له على غيره.
ويقال إنما قال: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أي حين استوى شبابُه واكتملت قُوْته، وكان وقت استيلاء الشهوة، وتوفر دواعي مطالبات البشرية آتاه الله الحِكْمَ الذي حبسه على الحقِّ وصَرَفَه عن الباطل، وعَلِمَ أنَّ ما يعقب اتباع اللذاتِ من هواجم النَّدم أشدُّ مقاساةً من كلفة الصبر في حال الامتناع عن دواعي الشهوة فآثَرَ مَشَقَّةَ الامتناع على لَذَّةِ الاتباع. وذلك الذي أشار إليه الحقُّ- سبحانه- من جميل الجزاء الذي اعطاه هو إمدادُه بالتوفيق حتى استقام في التقوى والورع على سَوَاءِ الطريق، قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] أي الذين جاهدوا بسلوك طريق المعاملة لنهدينهم سُبَلَ الصبرِ على الاستقامة حتى تتبين لهم حقائقُ المواصلة.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10